فصل: (فَصْلٌ): (ما يَحْرُمُ على الْجُنُبِ):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى



.(فَصْلٌ): [ما يَحْرُمُ بالحدث الأصغر والأكبر]:

(يَحْرُمُ بِحَدَثٍ) أَكْبَرَ أَوْ أَصْغَرَ (حَيْثُ لَا عُذْرَ) مَنَعَهُ مِنْ الطَّهَارَةِ (صَلَاةٌ) لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا «لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةً بِغَيْرِ طَهُورٍ، وَلَا صَدَقَةً مِنْ غُلُولٍ» رَوَاه الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ. وَسَوَاءٌ الْفَرْضُ وَالنَّفَلُ وَسُجُودُ التِّلَاوَةِ وَالشُّكْرِ وَصَلَاةُ الْجِنَازَةِ، وَلَا كُفْرَ بِالصَّلَاةِ مَعَ الْحَدَثِ، لِأَنَّهَا مَعْصِيَةٌ كَسَائِرِ الْمَعَاصِي.
(وَ) يَحْرُمُ بِهِ أَيْضًا (طَوَافٌ وَلَوْ نَفْلًا) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ صَلَاةٌ إلَّا أَنَّ اللَّهَ أَبَاحَ فِيهِ الْكَلَامَ» رَوَاه الشَّافِعِيُّ (وَ) يَحْرُمُ بِهِ أَيْضًا (مَسُّ مُصْحَفٍ) (وَبَعْضِهِ وَلَوْ لِصَغِيرٍ) قَالَ فِي الْإِنْصَافِ: عَلَى الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لَا يَمَسُّهُ إلَّا الْمُطَهَّرُونَ} وَلِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ إلَى أَهْلِ الْيَمَنِ كِتَابًا وَفِيهِ: لَا يَمَسُّ الْقُرْآنَ إلَّا طَاهِرٌ» رَوَاه الْأَثْرَمُ وَالنَّسَائِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيّ مُتَّصِلًا، وَاحْتَجَّ بِهِ أَحْمَدُ، وَرَوَاهُ مَالِكٌ مُرْسَلًا. (حَتَّى جِلْدَهُ)- أَيْ: الْمُصْحَفِ- (الْمُتَّصِلَ) بِهِ، (وَ) حَتَّى (حَوَاشِيَهُ)، وَمَا فِيهِ مِنْ وَرِقٍ أَبْيَضَ، لِأَنَّهُ يَشْمَلُهُ اسْمُ الْمُصْحَفِ، وَيَدْخُلُ فِي بَيْعِهِ (بِيَدٍ وَغَيْرِهَا) كَصَدْرٍ، إذْ كُلُّ شَيْءٍ لَاقَى شَيْئًا فَقَدْ مَسَّهُ. (وَيَتَّجِهُ): أَنَّهُ يَحْرُمُ مَسُّهُ (حَتَّى بِظُفْرٍ وَشَعْرٍ) وَسِنٍّ قَبْلَ انْفِصَالِهَا عَنْ مَحَالِّهَا تَعْظِيمًا لَهُ، وَاحْتِرَامًا وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَلَا) يَحْرُمُ مَسُّهُ (بِحَائِلٍ كَكِيسٍ وَكُمٍّ)؛ لِأَنَّ الْمَسَّ لِلْحَائِلِ لَا لَهُ، (وَ) لَا يَحْرُمُ عَلَى مُحْدِثٍ (تَصَفُّحُهُ)- أَيْ: الْمُصْحَفِ- (بِهِ)- أَيْ: الْحَائِلِ- (وَبِعُودٍ)، لِمَا تَقَدَّمَ، (وَ) لَا يَحْرُمُ عَلَى مُحْدِثٍ (حَمْلُ) مُصْحَفٍ (بِعِلَاقَةٍ)، بِكَسْرِ الْعَيْنِ فِي الْأَجْرَامِ وَفَتْحِهَا فِي الْمَعَانِي- لِأَنَّ النَّهْيَ وَرَدَ فِي الْمَسِّ، وَالْحَمْلُ لَيْسَ بِمَسٍّ، (وَلَا) يَحْرُمُ عَلَى مُحْدِثٍ (مَسُّ تَفْسِيرٍ مُطْلَقًا)، سَوَاءٌ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ الْقُرْآنِ أَوْ أَقَلَّ مِنْهُ، وَلَا كُتُبِ فِقْهٍ وَحَدِيثٍ وَرَسَائِلَ فِيهَا آيَاتٌ مِنْ قُرْآنٍ، لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى مُصْحَفًا، (وَ) لَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ أَيْضًا مَسُّ (مَنْسُوخٍ تِلَاوَةً)، وَإِنْ بَقِيَ حُكْمُهُ كَ: «الشَّيْخِ وَالشَّيْخَةِ إذَا زَنَيَا فَارْجُمُوهُمَا» (وَ) لَا يَحْرُمُ مَسُّ (نَحْوِ تَوْرَاةٍ وَإِنْجِيلٍ) وَزَبُورٍ وَصُحُفِ إبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَشِيثٍ وُجِدَتْ، لِأَنَّهَا لَيْسَتْ قُرْآنًا، (وَ) لَا مَسُّ (مَأْثُورٍ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى) كَالْأَحَادِيثِ الْقُدْسِيَّةِ، (وَ) لَا مَسُّ (رُقَى وَتَعَاوِيذَ فِيهَا قُرْآنٌ) قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وِفَاقًا. وَلَا يَحْرُمُ مَسُّ ثَوْبٍ رُقِّمَ بِقُرْآنٍ أَوْ فِضَّةٍ نُقِشَتْ بِهِ فِي ظَاهِرِ كَلَامِ أَحْمَدَ.
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: ظَاهِرُ كَلَامِهِ الْجَوَازُ قَالَ فِي النَّظْمِ عَنْ الدِّرْهَمِ الْمَنْقُوشِ: هَذَا الْمَنْصُورُ.
(وَ) لَا بَأْسَ بِمَسِّ (لَوْحٍ فِيهِ قُرْآنٌ لِصَغِيرٍ)، فَلَا يَحْرُمُ عَلَى وَلِيِّهِ تَمْكِينُهُ مِنْ مَسِّ الْمَحَلِّ الْخَالِي مِنْ الْكِتَابَةِ لِلْمَشَقَّةِ، (وَلَا) يَجُوزُ تَمْكِينُ الصَّغِيرِ مِنْ مَسِّ (الْمَحَلِّ الْمَكْتُوبِ) فِيهِ الْقُرْآنُ مِنْهُ- أَيْ: مِنْ اللَّوْحِ- بِلَا طَهَارَةٍ، لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ لِاسْتِغْنَائِهِ عَنْهُ بِمَسِّ الْخَالِي، وَمَا حَرُمَ بِلَا وُضُوءٍ مِمَّا تَقَدَّمَ حَرُمَ بِلَا غُسْلٍ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى لَا الْعَكْسِ، فَإِنَّ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ تَحْرُمُ بِلَا غُسْلٍ فَقَطْ. (وَيَحْرُمُ مَسُّ مُصْحَفٍ بِعُضْوٍ مُتَنَجِّسٍ)، لِأَنَّهُ أَوْلَى مِنْ الْحَدَثِ.
قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَكَذَا ذِكْرُ اللَّهِ بِنَجِسٍ، وَ(لَا) يَحْرُمُ مَسُّهُ (بِعُضْوٍ طَاهِرٍ) إذَا (تَنَجَّسَ غَيْرُهُ) مِنْ الْأَعْضَاءِ، لِأَنَّ النَّجَاسَةَ لَا يَتَعَدَّى وُجُوبُ غُسْلِهَا غَيْرَ مَحَلِّهَا، بِخِلَافِ الْحَدَثِ فَإِنَّهُ يَحِلُّ جَمِيعَ الْبَدَنِ كَمَا تَقَدَّمَ. (وَلِمُحْدِثٍ وَلَوْ ذِمِّيًّا نَسْخُهُ)- أَيْ: الْمُصْحَفِ مِنْ غَيْرِ مَسٍّ، لِأَنَّ النَّهْيَ وَرَدَ عَنْ مَسِّهِ، وَهِيَ لَيْسَتْ مَسًّا (وَ) لَهُ (أَخْذُ أُجْرَتِهِ)- أَيْ: النَّسْخِ لِأَنَّهُ عَمَلٌ لَا يَخْتَصُّ أَنْ يَكُونَ فَاعِلُهُ مِنْ أَهْلِ الْقُرْبَةِ، (وَيَأْتِي) فِي الْبَيْعِ أَنَّهُ (إنْ مَلَكَهُ)- أَيْ: الْمُصْحَفَ- بِإِرْثٍ أَوْ غَيْرِهِ يُؤْمَرُ بِإِزَالَةِ مِلْكِهِ عَنْهُ. (وَحَرُمَ سَفَرٌ بِهِ)- أَيْ: الْمُصْحَفِ- (لِدَارِ حَرْبٍ) «لِنَهْيِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُسَافَرَ بِالْقُرْآنِ إلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. لِأَنَّهُ عُرْضَةٌ لِاسْتِيلَاءِ الْكُفَّارِ عَلَيْهِ وَاسْتِهَانَتِهِ، (وَ) حَرُمَ (كَتْبُهُ)- أَيْ: الْقُرْآنِ- (مَعَ ذِكْرِ) اللَّهِ (بـِ) شَيْءٍ (نَجِسٍ)، أَوْ عَلَى شَيْءٍ نَجِسٍ، (وَإِنْ قَصَدَ إهَانَتَهُ)- أَيْ: الْقُرْآنِ أَوْ الذِّكْرِ بِذَلِكَ أَيْ: بِكَتْبِهِ بِالنَّجَسِ- (فَالْوَاجِبُ) عَلَى وَلِيِّ الْأَمْرِ (قَتْلُهُ، كَمَا) ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ (فِي الْفُنُونِ) وَيَجِبُ غَسْلُ الْكِتَابَةِ وَتَحْرِيقُهَا لِلصِّيَانَةِ.
(وَ) حَرُمَ (تَوَسُّدُهُ) أَيْ: الْمُصْحَفِ (وَوَزْنٌ بِهِ، وَاتِّكَاءٌ عَلَيْهِ) لِأَنَّ ذَلِكَ ابْتِذَالٌ لَهُ.
(وَ) حَرُمَ (كَتْبُهُ)- أَيْ: الْقُرْآنِ (بِحَيْثُ يُهَانُ)، كَعَلَى بِسَاطٍ أَوْ حَصِيرٍ يُدَاسُ أَوْ يُجْلَسُ عَلَيْهِ. (وَيَتَّجِهُ: قَتْلُهُ)، أَيْ: قَتْلُ كَاتِبِ الْقُرْآنِ عَلَى مَحَلٍّ مُبْتَذَلٍ (إنْ قَصَدَ امْتِهَانَهُ بِذَلِكَ) الْكَتْبِ، قِيَاسًا عَلَى كَتْبِهِ بِالنَّجَسِ أَوْ عَلَيْهِ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا، وَلِأَنَّ فِعْلَهُ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى اسْتِخْفَافِهِ بِالْقُرْآنِ وَعَدَمِ مُبَالَاتِهِ بِهِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ (وَمِثْلُهُ فِي حُرْمَةِ ذَلِكَ كُتُبُ عِلْمٍ فِيهَا قُرْآنٌ) فَيَجِبُ احْتِرَامُهَا وَصَوْنُهَا عَنْ الِامْتِهَانِ، (وَإِلَّا) يَكُنْ فِي كُتُبِ الْعِلْمِ قُرْآنٌ (كُرِهَ) تَوَسُّدُهَا، وَالْوَزْنُ بِهَا وَالِاتِّكَاءُ عَلَيْهَا، وَإِنْ خَافَ عَلَيْهَا سَرِقَةً، فَلَا بَأْسَ أَنْ يَتَوَسَّدَهَا لِلْحَاجَةِ. (وَرَمَى رَجُلٌ بِكِتَابٍ عِنْدَ) الْإِمَامِ (أَحْمَدَ فَغَضِبَ وَقَالَ: هَكَذَا يُفْعَلُ بِكَلَامِ الْأَبْرَارِ؟ ) انْتَهَى.
فَكَيْفَ بِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، أَوْ مَا هُوَ فِيهِ. (وَيُكْرَهُ كِتَابَةُ قُرْآنٍ فِي سُتُورٍ وَفِيمَا هُوَ مَظِنَّةُ بَذْلِهِ)، وَ(لَا) تُكْرَهُ (كِتَابَةُ غَيْرِهِ مِنْ ذِكْرٍ بِغَيْرِ مَسْجِدٍ فِيمَا لَمْ يُدَسْ، وَإِلَّا) بِأَنْ كَانَ يُدَاسُ، (كُرِهَ شَدِيدًا، وَيَحْرُمُ دَوْسُهُ)- أَيْ: الذِّكْرِ- فَالْقُرْآنُ أَوْلَى.
قَالَ فِي الْفُصُولِ وَغَيْرِهِ: وَيُكْرَهُ أَنْ يُكْتَبَ عَلَى حِيطَانِ الْمَسْجِدِ ذِكْرٌ أَوْ غَيْرُهُ، لِأَنَّ ذَلِكَ يُلْهِي الْمُصَلِّيَ. (وَكَرِهَ) الْإِمَامُ (أَحْمَدُ شِرَاءَ ثَوْبٍ فِيهِ ذِكْرُ اللَّهِ يُجْلَسُ عَلَيْهِ وَيُدَاسُ) عَلَى الْمَوَاضِعِ الْخَالِيَةِ مِنْ الذِّكْرِ، وَأَمَّا وَطْؤُهُ مَا فِيهِ ذِكْرٌ فَيَحْرُمُ. (وَكُرِهَ) شَدِيدًا (وَيَتَّجِهُ بِلَا قَصْدِ إهَانَةٍ) أَمَّا مَعَ قَصْدِهَا فَيَحْرُمُ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ (مَدُّ): نَائِبُ فَاعِلِ كُرِهَ (رِجْلٍ لِمُصْحَفٍ وَاسْتِدْبَارُهُ)- أَيْ: الْمُصْحَفِ- وَكَذَا كُتُبُ عِلْمٍ فِيهَا قُرْآنٌ تَعْظِيمًا لَهَا (وَ) كُرِهَ (تَخَطِّيهِ وَرَمْيُهُ) بِالْأَرْضِ (بِلَا) وَضْعٍ وَلَا (حَاجَةٍ) تَدْعُو إلَيْهِ (بَلْ هُوَ بِمَسْأَلَةِ التَّوَسُّدِ أَشْبَهُ)، وَإِلَيْهَا أَقْرَبُ.
(وَ) تُكْرَهُ (تَحْلِيَتُهُ)- أَيْ: الْمُصْحَفِ (بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ) نَصًّا، لِتَضْيِيقِ النَّقْدَيْنِ، (وَتَحْرُمُ فِي كُتُبِ عِلْمٍ) أَنْ تُحَلَّى، (وَ) قَالَ ابْنُ الزَّاغُونِيُّ: يَحْرُمُ (كَتْبُهُ)- أَيْ: الْمُصْحَفِ- (بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ)، لِأَنَّهُ مِنْ زَخْرَفَةِ الْمَصَاحِفِ، (وَيُؤْمَرُ بِحَكِّهِ، وَيُزَكَّى) مَا اجْتَمَعَ مِنْهُ (إنْ بَلَغَ نِصَابًا)، قَالَهُ أَبُو الْخَطَّابِ وَلَهُ حَكُّهُ وَأَخْذُهُ، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: (وَجَعْلُهُ عِنْدَ الْقَبْرِ وَلَوْ لِلْقِرَاءَةِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ) فَلَا يُرْتَكَبُ.، (وَيُبَاحُ تَطْيِيبُهُ)- أَيْ: الْمُصْحَفِ- أَوْ بَعْضِهِ، وَاسْتَحَبَّهُ الْآمِدِيُّ لِأَنَّ «النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَيَّبَ الْكَعْبَةَ» وَهِيَ دُونَهُ، وَ«أَمَرَ بِتَطْيِيبِ الْمَسَاجِدِ»، فَالْمُصْحَفُ أَوْلَى.
(وَ) يُبَاحُ (تَقْبِيلُهُ) قَالَ النَّوَوِيُّ فِي التِّبْيَانِ: رَوَيْنَا فِي مُسْنَدِ الدَّارِمِيِّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ أَنَّ عِكْرِمَةَ بْنَ أَبِي جَهْلٍ كَانَ يَضَعُ الْمُصْحَفَ عَلَى وَجْهِهِ وَيَقُولُ: كِتَابُ رَبِّي كِتَابُ رَبِّي وَنَقَلَ جَمَاعَةٌ الْوَقْفَ فِيهِ.
(وَ) فِي (جَعْلِهِ عَلَى عَيْنَيْهِ) لِعَدَمِ التَّوْقِيفِ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ رِفْعَةٌ وَإِكْرَامٌ، لِأَنَّ مَا طَرِيقُهُ الْقُرْبُ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْقِيَاسِ فِيهِ مَدْخَلٌ لَا يُسْتَحَبُّ فِعْلُهُ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ تَعْظِيمٌ إلَّا بِتَوْقِيفٍ، وَلِهَذَا قَالَ عُمَرُ عَنْ الْحَجَرِ: «لَوْلَا أَنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقْبِلُكَ مَا قَبَّلْتُكَ» وَلَمَّا قَبَّلَ مُعَاوِيَةَ الْأَرْكَانَ كُلَّهَا أَنْكَرَ عَلَيْهِ ابْنُ عَبَّاسٍ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: لَيْسَ شَيْءٌ مِنْ الْبَيْتِ مَهْجُورًا فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إنَّمَا هِيَ السُّنَّةُ وَأَنْكَرَ عَلَيْهِ الزِّيَادَةَ عَلَى فِعْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنْ كَانَ فِيهِ تَعْظِيمٌ (أَوْ) أَيْ: وَيُبَاحُ جَعْلُهُ عَلَى (كُرْسِيٍّ) تَعْظِيمًا لَهُ، (وَ) يُبَاحُ (الْقِيَامُ لَهُ) قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: إذَا اعْتَادَ النَّاسُ قِيَامَ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ، فَقِيَامُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ أَحَقُّ، وَفِي الْفُرُوعِ وَالْمُبْدِعِ يُؤْخَذُ مِنْ فِعْلِ أَحْمَدَ الْجَوَازُ وَذَلِكَ أَنَّهُ ذُكِرَ عِنْدَهُ إبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ، وَكَانَ مُتَّكِئًا فَاسْتَوَى جَالِسًا، وَقَالَ: لَا يَنْبَغِي أَنْ يُذْكَرَ الصَّالِحُونَ فَنَتَّكِئَ.
قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: فَأَخَذْتُ مِنْ هَذَا حُسْنُ الْأَدَبِ فِيمَا يَفْعَلُهُ النَّاسُ عِنْدَ ذِكْرِ إمَامِ الْعَصْرِ مِنْ النُّهُوضِ لِسَمَاعِ تَوْقِيعَاتِهِ.
قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَمَعْلُومٌ أَنَّ مَسْأَلَتَنَا أَوْلَى، وَذَكَرَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ أَنَّ تَرْكَ الْقِيَامِ كَانَ فِي الْأَوَّلِ، ثُمَّ لَمَّا صَارَ تَرْكُ الْقِيَامِ كَالْهَوَانِ بِالشَّخْصِ، اُسْتُحِبَّ لِمَنْ يَصْلُحُ لَهُ الْقِيَامُ.
(وَ) يُبَاحُ (نَقْطُهُ) أَيْ الْمُصْحَفِ (وَشَكْلُهُ)، بَلْ قَالَ الْعُلَمَاءُ: يُسْتَحَبُّ نَقْطُهُ وَشَكْلُهُ صِيَانَةً مِنْ اللَّحْنِ فِيهِ وَالتَّصْحِيفِ، وَأَمَّا كَرَاهَةُ الشَّعْبِيِّ وَالنَّخَعِيِّ النَّقْطَ، فَلِلْخَوْفِ مِنْ التَّغْيِيرِ فِيهِ، وَقَدْ أُمِنَ ذَلِكَ الْيَوْمَ، وَلَا يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ كَوْنُهُ مُحْدَثًا، فَإِنَّهُ مِنْ الْمُحْدَثَاتِ الْحَسَنَةِ، كَنَظَائِرِهِ، مِثْلُ تَصْنِيفِ الْعِلْمِ وَبِنَاءِ الْمَدَارِسِ وَنَحْوِهَا، قَالَهُ النَّوَوِيُّ فِي التِّبْيَانِ. (وَيَتَّجِهُ وُجُوبُهُمَا)- أَيْ: النَّقْطُ وَالشَّكْلُ- (مَعَ تَحَقُّقِ لَحْنٍ)، كَفِي زَمَانِنَا، وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
(وَ) تُبَاحُ (كِتَابَةُ أَعْشَارٍ) فِي الْمُصْحَفِ (وَأَسْمَاءِ سُوَرٍ وَعَدَدِ آيَاتٍ وَأَحْزَابٍ)، لِعَدَمِ النَّهْيِ عَنْهُ (وَتَحْرُمُ مُخَالَفَةُ خَطِّ عُثْمَانَ) بْنِ عَفَّانَ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي) رَسْمِ (وَاوٍ وَيَاءٍ وَأَلِفٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ) كَرَبْطِ تَاءٍ وَمَدِّهَا (نَصًّا)، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ بَعْدِي». الْحَدِيثَ، وَلِأَنَّ قَوْلَ الصَّحَابِيِّ- مَا خَالَفَ الْقِيَاسَ- تَوْقِيفٌ. (وَلَا بَأْسَ أَنْ يَقُولَ: سُورَةُ كَذَا)، كَسُورَةِ الْبَقَرَةِ أَوْ النِّسَاءِ، لِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: سُورَةُ الْبَقَرَةِ وَسُورَةُ الْكَهْفِ وَغَيْرُهُمَا مِمَّا لَا يُحْصَى، وَكَذَلِكَ عَنْ الصَّحَابَةِ. قَالَهُ النَّوَوِيُّ فِي التِّبْيَانِ. وَفِي السُّورَةِ لُغَتَانِ: الْهَمْزُ وَتَرْكُهُ، وَالتَّرْكُ أَفْصَحُ، (وَ) أَنْ يَقُولَ: (السُّورَةُ الَّتِي يُذْكَرُ فِيهَا كَذَا)، لِوُرُودِهِ فِي الْأَخْبَارِ، وَمِنْهَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ قَرَأَ السُّورَةَ الَّتِي يُذْكَرُ فِيهَا آلُ عِمْرَانَ» الْحَدِيثَ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ. (وَاسْتِفْتَاحُ الْفَأْلِ فِيهِ)- أَيْ: الْمُصْحَفِ (فَعَلَهُ) أَبُو عُبَيْدِ اللَّهِ (ابْنُ بَطَّةَ)- بِفَتْحِ الْبَاءِ- (وَلَمْ يَرَهُ) الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَلَا (غَيْرُهُ) مِنْ أَئِمَّتِنَا. وَنُقِلَ عَنْ ابْنِ الْعَرَبِيِّ أَنَّهُ يَحْرُمُ، وَحَكَاهُ الْقَرَافِيُّ عَنْ الطَّرَسُوسِيِّ الْمَالِكِيِّ، وَظَاهِرُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ الْكَرَاهَةُ. (وَلَوْ بَلِيَ مُصْحَفٌ أَوْ انْدَرَسَ دُفِنَ)، وَذَكَرَ أَحْمَدُ أَنَّ أَبَا الْجَوْزَاءِ بَلِيَ لَهُ مُصْحَفٌ، فَحَفَرَ لَهُ فِي مَسْجِدٍ فَدَفَنَهُ، (وَمَا تَنَجَّسَ أَوْ كُتِبَ) مِنْ قُرْآنٍ أَوْ حَدِيثٍ أَوْ كِتَابٍ فِيهِ ذَلِكَ (بِنَجَسٍ يَلْزَمُ غَسْلُهُ أَوْ حَرْقُهُ،) (فَإِنَّ الصَّحَابَةَ) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ (حَرَّقُوهُ لَمَّا جَمَعُوهُ) قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: إنَّمَا فَعَلُوا ذَلِكَ (لِتَعْظِيمِهِ وَصِيَانَتِهِ). انْتَهَى.
(وَكَانَ طَاوُسٌ لَا يَرَى بَأْسًا أَنْ تُحَرَّقَ الْكُتُبُ صِيَانَةً) لَهَا عَنْ الِامْتِهَانِ،
(وَقَالَ: إنَّ الْمَاءَ وَالنَّارَ خَلْقٌ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى وَيَتَّجِهُ: الْمُرَادُ) بِغَسْلِ الْمُصْحَفِ وَالْكِتَابِ بِالْمَاءِ وَحَرْقِهِمَا بِالنَّارِ (إذَا كَانَا)- أَيْ: الْمَاءُ وَالنَّارُ- (طَاهِرَيْنِ) أَمَّا إذَا كَانَا نَجِسَيْنِ فَلَا يَجُوزُ غَسْلٌ وَلَا تَحْرِيقٌ بِهِمَا صَوْنًا لَهُمَا عَنْ النَّجَاسَةِ وَحِينَئِذٍ فَيَعْدِلُ إلَى دَفْنِهِمَا فِي مَوْضِعٍ لَا تَطَؤُهُ الْأَرْجُلُ، لِأَنَّ عُثْمَانَ دَفَنَ الْمَصَاحِفَ بَيْنَ الْقَبْرِ وَالْمِنْبَرِ. هَذَا إذَا كَانَا مَكْتُوبَيْنِ بِطَاهِرٍ، أَمَّا إذَا كَانَا مَكْتُوبَيْنِ بِنَجَسٍ فَغَسْلُهُمَا أَوْ حَرْقُهُمَا بِمَاءٍ أَوْ نَارٍ طَاهِرَيْنِ أَوْلَى مِنْ دَفْنِهِمَا كَمَا لَا يَخْفَى، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَيُبَاحُ كِتَابَةُ آيَتَيْنِ فَأَقَلَّ إلَى كُفَّارٍ) نَقَلَ الْأَثْرَمُ: يَجُوزُ أَنْ يُكْتَبَ إلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى، كَمَا كَتَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الْمُشْرِكِينَ. (وَفِي النِّهَايَةِ) جَوَازُ كِتَابَةِ ذَلِكَ (لِحَاجَةِ تَبْلِيغٍ) قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ ظَاهِرٌ. (وَيَأْتِي أَدَبُ الْقِرَاءَةِ) قَبْلَ الْفَصْلِ الْآخَرِ مِنْ بَابِ صَلَاةِ التَّطَوُّعِ. (وَتَضْمِينُهَا)- أَيْ: الْقِرَاءَةِ- فِي الْفَصْلِ الَّذِي يَلِيهِ قُبَيْلَ بَابِ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ.
قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ تَضْمِينُ الْقُرْآنِ لِمَقَاصِدَ تُضَاهِي مَقْصُودَ الْقُرْآنِ لَا بَأْسَ بِهِ تَحْسِينًا لِلْكَلَامِ، كَمَا يُضَمَّنُ فِي الرَّسَائِلِ آيَاتٌ إلَى الْكُفَّارِ مُقْتَضِيَةٌ الدَّعْوَةَ، وَلَا يَجُوزُ فِي نَحْوِ كُتُبِ الْمُبْتَدِعَةِ. وَكَتَضْمِينِهِ الشَّعْرَ لِصِحَّةِ الْقَصْدِ وَسَلَامَةِ الْوَضْعِ، وَأَمَّا تَضْمِينُهُ لِغَيْرِ ذَلِكَ: فَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْقَيِّمِ التَّحْرِيمُ، كَمَا يَحْرُمُ جَعْلُ الْقُرْآنِ بَدَلًا عَنْ الْكَلَامِ.

.(بَابُ الْغُسْلِ):

بِالضَّمِّ: الِاغْتِسَالُ، وَالْمَاءُ يُغْتَسَلُ بِهِ، وبِالْفَتْحِ: مَصْدَرُ غَسَلَ. وَبِالْكَسْرِ: مَا يُغْسَلُ بِهِ الرَّأْسُ مِنْ خِطْمِيٍّ وَغَيْرِهِ. وَشَرْعًا: (اسْتِعْمَالُ مَاءٍ طَهُورٍ مُبَاحٍ فِي جَمِيعِ الْبَدَنِ)، أَيْ بَدَنِ الْمُغْتَسِلِ. (وَلَوْ لَمْ يَتَقَاطَرْ عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ، كَ: بِنِيَّةٍ وَتَسْمِيَةٍ) وَالْأَصْلُ فِي شَرْعِيَّتِهِ قَوْله تَعَالَى: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} يُقَالُ: رَجُلٌ جُنُبٌ، وَرَجُلَانِ جُنُبٌ، وَرِجَالٌ جَنْبٌ.
قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَقَدْ يُقَالُ: جُنُبَانِ وَجُنُبُونَ، وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ: «وَنَحْنُ جُنُبَانِ» سُمِّيَ بِهِ لِأَنَّهُ نَهْيٌ أَنْ يَقْرَبَ مَوَاضِعَ الصَّلَاةِ، وَقِيلَ: لِمُجَانَبَتِهِ النَّاسَ حَتَّى يَتَطَهَّرَ، وَقِيلَ: لِأَنَّ الْمَاءَ جَانَبَ مَحَلَّهُ، وَالْأَحَادِيثُ مَشْهُورَةٌ بِذَلِكَ. (وَمُوجِبُهُ)، أَيْ: الْحَدَثِ الَّذِي هُوَ سَبَبُ وُجُوبِ الْغُسْلِ بِاعْتِبَارِ أَنْوَاعِهِ (سَبْعَةُ) أَشْيَاءَ، أَيُّهَا وُجِدَ كَانَ سَبَبًا لِوُجُودِهِ: (أَحَدُهَا): (انْتِقَالُ مَنِيٍّ) فَيَجِبُ الْغُسْلُ بِمُجَرَّدِ إحْسَاسِ انْتِقَالِهِ (عَنْ صُلْبِ رَجُلٍ وَتَرَائِبِ امْرَأَةٍ)، وَالتَّرَائِبُ جَمْعُ تَرِيبَةٍ، هِيَ مَحَلُّ الْقِلَادَةِ مِنْ الصَّدْرِ، لِأَنَّ الْجَنَابَةَ تُبَاعِدُ الْمَاءَ عَنْ مَوَاضِعِهِ، وَقَدْ وُجِدَ ذَلِكَ (وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ) (كَمَا لَوْ حَبَسَهُ)، لِأَنَّ الْغُسْلَ يُرَاعَى فِيهِ الشَّهْوَةُ، وَقَدْ وُجِدَتْ بِانْتِقَالِهِ كَمَا لَوْ ظَهَرَ، (وَلَا يُعَادُ غُسْلٌ لَهُ)- أَيْ: الِانْتِقَالِ- (بِخُرُوجِهِ)- أَيْ: الْمَنِيِّ- (بَعْدَهُ)- أَيْ: بَعْدَ الْغُسْلِ- (بِلَا لَذَّةٍ)، لِأَنَّ الْوُجُوبَ تَعَلَّقَ بِالِانْتِقَالِ، وَقَدْ اغْتَسَلَ لَهُ فَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ غُسْلٌ ثَانٍ، كَبَقِيَّةِ مَنِيٍّ خَرَجَتْ بَعْدَ الْغُسْلِ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا الْوُضُوءُ، بَالَ أَوْ لَمْ يَبُلْ (وَيَثْبُتُ بِانْتِقَالِهِ)- أَيْ: الْمَنِيِّ- (حُكْمُ بُلُوغٍ مِنْ وُجُوبِ عِبَادَةٍ) كَصَلَاةِ وَنَحْوِهَا (وَ) يَثْبُتُ بِهِ لُزُومُ (حَدٍّ وَقَبُولُ شَهَادَةٍ) وَثُبُوتُ وِلَايَةٍ فِي إيجَابِ عَقْدِ نِكَاحٍ، وَلُزُومُ (فِطْرٍ) مِنْ صَوْمٍ (بِسَبَبِ نَحْوِ لَمْسٍ)، كَتَقْبِيلٍ وَتَكْرَارِ نَظَرٍ بِشَهْوَةٍ، (وَوُجُوبُ فِدْيَةٍ) فِي الْحَجِّ، (وَكَذَا)- أَيْ: كَانْتِقَالِ مَنِيٍّ- (انْتِقَالُ حَيْضٍ) قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، فَيَثْبُتُ بِانْتِقَالِهِ مَا يَثْبُتُ بِخُرُوجِهِ، فَإِذَا أَحَسَّتْ بِانْتِقَالِ حَيْضِهَا قُبَيْلَ الْغُرُوبِ، وَهِيَ صَائِمَةٌ؛ أَفْطَرَتْ وَلَوْ لَمْ يَخْرُجْ الدَّمُ إلَّا بَعْدَهُ (وَيَتَّجِهُ لُزُومُ) مَنْ أَحَسَّتْ بِانْتِقَالِ مَنِيٍّ وَلَمْ يَخْرُجْ (نَحْوَ صَلَاةٍ) كَطَوَافٍ، لِاحْتِمَالِ كَوْنِ ذَلِكَ رِيحًا تَحَرَّكَ فَظَنَّتْهُ انْتِقَالًا، فَلَا تَدَعُ لِذَلِكَ الصَّلَاةَ وَنَحْوَهَا (حَتَّى يَخْرُجَ) مَا أَحَسَّتْ بِهِ، (فَلَوْ تَبَيَّنَ بَعْدَ) ذَلِكَ نَحْوُ رِيحٍ فَتَمْضِي فِي عِبَادَتِهَا، وَلَوْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ كَانَ (حَيْضًا أُعِيدَ) وَاجِبُ عِبَادَةٍ فَعَلَتْهُ (غَيْرَ صَلَاةٍ) فَلَا، تُعِيدُهَا لِعَدَمِ وُجُوبِهَا عَلَيْهَا حِينَئِذٍ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (الثَّانِي: خُرُوجُهُ)- أَيْ: الْمَنِيِّ- (مِنْ مَخْرَجِهِ) الْمُعْتَادِ، (وَلَوْ) كَانَ الْمَنِيُّ (دَمًا) أَيْ: أَحْمَرَ كَالدَّمِ، لِلْعُمُومَاتِ، وَلَوْ خَرَجَ الْمَنِيُّ مِنْ جَمِيعِ الْبَدَنِ وَضَعَّفَهُ بِكَثْرَتِهِ جُبِرَ بِالْغُسْلِ، (بِشَرْطِ) وُجُودِ (لَذَّةٍ) عِنْدَ خُرُوجِهِ (فِي حَقِّ نَحْوِ غَيْرِ نَائِمٍ)، كَمَجْنُونٍ وَمُغْمًى عَلَيْهِ وَسَكْرَانَ.
قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْتَهَى: وَيَلْزَمُ مِنْ وُجُودِ اللَّذَّةِ أَنْ يَكُونَ دَفْقًا، فَلِهَذَا اسْتَغْنَيْنَا عَنْ ذِكْرِ الدَّفْقِ بِاللَّذَّةِ، (فَلَوْ) خَرَجَ الْمَنِيُّ مِنْ غَيْرِ مَخْرَجِهِ بِأَنْ انْكَسَرَ صُلْبُهُ فَخَرَجَ مِنْهُ، أَوْ خَرَجَ مِنْ يَقْظَانَ بِغَيْرِ لَذَّةٍ لَمْ يَجِبْ الْغُسْلُ، وَحُكْمُهُ كَالنَّجَاسَةِ الْمُعْتَادَةِ، أَوْ (جَامَعَ وَأَكْسَلَ، فَاغْتَسَلَ، ثُمَّ أَنْزَلَ بِلَا لَذَّةٍ لَمْ يَجِبْ غُسْلٌ)، لِأَنَّهَا جَنَابَةٌ وَاحِدَةٌ، فَلَا تُوجِبُ غُسْلَيْنِ، وَالْمَنِيُّ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ نَجِسٌ لِخُرُوجِهِ بِلَا لَذَّةٍ، وَمَعْنَى أَكْسَلَ: ضَعُفَ عَنْ الْجِمَاعِ. (وَإِنْ أَفَاقَ نَحْوُ نَائِمٍ) كَمُغْمًى عَلَيْهِ (بَلَغَ أَوْ اُحْتُمِلَ) بُلُوغُهُ، كَابْنِ عَشْرٍ وَبِنْتِ تِسْعٍ مِنْ نَوْمٍ وَنَحْوِهِ، (فَوَجَدَ بَلَلًا بِبَدَنِهِ أَوْ ثَوْبِهِ أَوْ فِرَاشِهِ الَّذِي لَمْ يَنَمْ عَلَيْهِ أَوْ) كَانَ (فِيهِ غَيْرُهُ) قَالَ أَبُو الْمَعَالِي وَالْأَزَجِيُّ: لَا بِظَاهِرِهِ، لِاحْتِمَالِهِ مِنْ غَيْرِهِ، (فَإِنْ تَحَقَّقَ أَنَّهُ مَنِيٌّ اغْتَسَلَ) وُجُوبًا، وَلَوْ لَمْ يَذْكُرْ احْتِلَامًا، قَالَ الْمُوَفَّقُ: لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا. (فَقَطْ)، أَيْ: دُونَ غُسْلِ مَا أَصَابَهُ، لِطَهَارَةِ الْمَنِيِّ. (وَيُعْرَفُ) الْمَنِيُّ (بِرِيحٍ) كَرِيحِ (عَجِينٍ وَ) رِيحِ (طَلْعِ نَخْلٍ) حَالَ كَوْنِهِ (رَطْبًا، أَوْ رِيحِ بَيَاضِ بِيضٍ) حَالَ كَوْنِهِ (جَافًّا وَفَسَّرَتْهُ) أَيْ: مَنِيَّ الرَّجُلِ- (عَائِشَةُ) الصِّدِّيقَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا (بِأَنَّهُ أَبْيَضُ ثَخِينٌ يَنْكَسِرُ مِنْهُ الذَّكَرُ)، وَأَمَّا مَنِيُّ الْمَرْأَةِ: فَهُوَ أَصْفَرُ رَقِيقٌ، (وَإِنْ تَحَقَّقَ أَنَّهُ غَيْرُ مَنِيٍّ طُهِّرَ مَا أَصَابَهُ فَقَطْ) مِنْ بَدَنٍ وَثَوْبٍ، لِأَنَّهُ نَجَسٌ، (وَإِنْ اشْتَبَهَ) عَلَيْهِ ذَلِكَ الْبَلَلُ بِأَنْ لَمْ يَدْرِ أَمَنِيٌّ أَوْ مَذْيٌ؟ (وَتَقَدَّمَ نَوْمَهُ سَبَبٌ مِنْ بَرْدٍ أَوْ نَظَرٍ أَوْ فِكْرٍ أَوْ مُلَاعَبَةٍ أَوْ انْتِشَارٍ فَكَذَلِكَ)- أَيْ: طَهَّرَ مَا أَصَابَهُ- لِرُجْحَانِ كَوْنِهِ مَذْيًا بِقِيَامِ سَبَبِهِ، إقَامَةً لِلظَّنِّ مَقَامَ الْيَقِينِ، كَمَا لَوْ وُجِدَ فِي نَوْمِهِ حُلْمًا فَإِنَّا نُوجِبُ الْغُسْلَ لِرُجْحَانِ كَوْنِهِ مَنِيًّا بِقِيَامِ سَبَبِهِ، (وَإِلَّا يَتَقَدَّمْ نَوْمَهُ سَبَبٌ)، وَوَجَدَ بَلَلًا فِي ثَوْبِهِ أَوْ بَدَنِهِ أَوْ فِرَاشِهِ (اغْتَسَلَ) وُجُوبًا (وَتَوَضَّأَ مُرَتِّبًا مُتَوَالِيًا وَطَهَّرَ مَا أَصَابَهُ أَيْضًا) ظَاهِرُهُ: وُجُوبًا.
قَالَ فِي شَرْحِ الْإِقْنَاعِ: احْتِيَاطًا، ثُمَّ قَالَ: وَلَيْسَ هَذَا مِنْ بَابِ الْإِيجَابِ بِالشَّكِّ وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ بَابِ الِاحْتِيَاطِ فِي الْخُرُوجِ مِنْ عُهْدَةِ الْوَاجِبِ، كَمَنْ نَسِيَ صَلَاةً مِنْ يَوْمٍ وَجَهِلَهَا، لِأَنَّهُ فِي الْمِثَالِ لَا يَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهِ مَنِيًّا أَوْ مَذْيًا، وَلَا سَبَبَ لِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ يُرَجَّحُ بِهِ، فَلَمْ يَخْرُجْ مِنْ عُهْدَةِ الْوُجُوبِ إلَّا بِمَا ذُكِرَ. (وَمَحَلُّ ذَلِكَ)- أَيْ: مَا تَقَدَّمَ- فِيمَا إذَا وَجَدَ نَائِمٌ وَنَحْوُهُ بَلَلًا: (فِي غَيْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَلِمُ)، لِأَنَّهُ لَا يَنَامُ قَلْبُهُ، وَلِأَنَّ الْحُلُمَ مِنْ الشَّيْطَانِ، وَهُوَ مَحْفُوظٌ مِنْهُ، (وَمَنِيُّهُ وَغَيْرُهُ) مِنْ فَضَلَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (طَاهِرٌ) فَلَا يَلْزَمُهُ تَطْهِيرُ مَا أَصَابَهُ مِنْهَا، (وَإِنْ تَحَقَّقَ) وُجُودُ (مَنِيٍّ فِي ثَوْبٍ أَوْ فِرَاشٍ نَامَ هُوَ وَغَيْرُهُ فِيهِ)، أَيْ: فِي ذَلِكَ الثَّوْبِ الَّذِي وَجَدَ بِهِ الْمَنِيَّ، (أَوْ) نَامَ (عَلَيْهِ)، أَيْ: عَلَى ذَلِكَ الْفِرَاشِ، وَكَانَ مِنْ أَهْلِ الِاحْتِلَامِ، (فَلَا غُسْلَ عَلَيْهِمَا)، لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مُتَيَقِّنُ الطَّهَارَةِ شَاكٌّ فِي الْحَدَثِ، (إلَّا إنْ أَمَّهُ أَوْ صَافَّهُ) وَحْدَهُ فَعَلَيْهِمَا الْغُسْلُ. فَإِنْ صَافَّهُ مَعَ غَيْرِهِ صَحَّتْ صَلَاتُهُمَا لِزَوَالِ الْفَذِّيَّةِ. (وَلَا غُسْلَ) عَلَى مَنْ جُومِعَتْ فَاغْتَسَلَتْ (بِخُرُوجِ مَنِيِّهِ)- أَيْ: مَنِيِّ الْمُجَامِعِ لَهَا- (مِنْ فَرْجِهَا بَعْدَ غُسْلِهَا)، لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْهَا، كَخُرُوجِ بَقِيَّةِ مَنِيٍّ اغْتَسَلَ لَهُ بِغَيْرِ شَهْوَةٍ. (الثَّالِثُ): الْتِقَاءُ الْخِتَانَيْنِ، أَيْ تَقَابُلُهُمَا وَتَحَاذِيهِمَا بِتَغْيِيبِ الْحَشَفَةِ فِي الْفَرْجِ، لَا إنْ تَمَاسًّا بِلَا إيلَاجٍ، فَلِذَا قَالَ: (تَغْيِيبُ كُلِّ حَشَفَةِ) الذَّكَرِ وَيُقَالُ لَهَا: الْكَمَرَةُ، وَلَوْ لَمْ يَجِدْ بِذَلِكَ حَرَارَةً، (أَصْلِيَّةً)، فَلَا غُسْلَ بِتَغْيِيبِ حَشَفَةٍ زَائِدَةٌ، أَوْ مِنْ خُنْثَى مُشْكِلٍ، لِاحْتِمَالِ الزِّيَادَةِ. (مُتَّصِلَةً) فَلَا عِبْرَةَ بِتَغْيِيبِ الْمُنْفَصِلَةِ، (أَوْ) تَغْيِيبِ (قَدْرِهَا)- أَيْ: الْحَشَفَةِ- (مِنْ مَقْطُوعِهَا بِلَا حَائِلٍ)، لِانْتِقَاءِ الْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ مَعَ الْحَائِلِ، لِأَنَّهُ هُوَ الْمُلَاقِي لِلْخِتَانِ، (فِي فَرْجٍ أَصْلِيٍّ): مُتَعَلِّقٌ بِتَغْيِيبِ. فَلَا غُسْلَ بِتَغْيِيبِ حَشَفَةٍ أَصْلِيَّةٍ فِي قُبُلٍ زَائِدٍ، أَوْ قُبُلِ خُنْثَى مُشْكِلٍ، لِاحْتِمَالِ زِيَادَتِهِ، لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «إذَا جَلَسَ بَيْنَ شُعَبِهَا الْأَرْبَعِ، ثُمَّ جَهَدَهَا: فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، زَادَ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ: «وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ»، وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إذَا قَعَدَ بَيْنَ شُعَبِهَا الْأَرْبَعِ وَمَسَّ الْخِتَانُ الْخِتَانَ فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ» رَوَاه مُسْلِمٌ. (وَلَوْ) كَانَ الْفَرْجُ الْأَصْلِيُّ (دُبُرًا)، لِأَنَّهُ فَرْجٌ أَصْلِيٌّ، أَوْ كَانَ الْفَرْجُ الْأَصْلِيُّ (لِمَيِّتٍ) لِعُمُومِ الْخَبَرِ، (أَوْ بَهِيمَةٍ أَوْ طَيْرٍ أَوْ سَمَكَةٍ) قَالَهُ فِي التَّعْلِيقِ لِأَنَّهُ إيلَاجٌ فِي فَرْجٍ أَصْلِيٍّ، أَشْبَهَ الْآدَمِيَّةَ. (وَلَوْ) كَانَ ذُو الْحَشَفَةِ (نَائِمًا أَوْ مَجْنُونًا) أَوْ مُغْمًى عَلَيْهِ، بِأَنْ أَدْخَلَتْهَا فِي فَرْجِهَا، فَيَجِبُ الْغُسْلُ عَلَيْهِمْ، كَمَا يَجِبُ عَلَيْهَا وَلَوْ كَانَتْ مَجْنُونَةً أَوْ نَائِمَةً أَوْ مُغْمًى عَلَيْهَا، لِأَنَّ مُوجِبَ الطَّهَارَةِ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْقَصْدُ، كَسَبْقِ الْحَدَثِ، (أَوْ) كَانَ (مُكْرَهًا، أَوْ) أَوْلَجَ وَ(لَمْ يُنْزِلْ، أَوْ) لَمْ (يَبْلُغْ) نَصًّا، فَاعِلًا كَانَ أَوْ مَفْعُولًا، (لَكِنْ لَا غُسْلَ إلَّا عَلَى) مَنْ يُجَامِعُ مِثْلُهُ، وَهُوَ (ابْنُ عَشْرٍ) أَوْ يُجَامَعُ مِثْلُهَا (وَ) هِيَ (بِنْتُ تِسْعٍ) قَالَ الْإِمَامُ: يَجِبُ عَلَى الصَّغِيرِ إذَا وَطِئَ، وَالصَّغِيرَةُ إذَا وُطِئَتْ، مُسْتَدِلًّا بِحَدِيثِ عَائِشَةَ، (فَلَوْ وَطِئَ ابْنُ عَشْرٍ بِنْتَ ثَمَانٍ أَوْ عَكْسُهُ) بِأَنْ وَطِئَ ابْنُ ثَمَانٍ أَوْ تِسْعٍ بِنْتَ تِسْعٍ؛ (فَلِكُلٍّ حُكْمُهُ): فَيَجِبُ الْغُسْلُ عَلَيْهِ فِي الْأُولَى، وَعَلَيْهَا فِي الثَّانِيَةِ (وَلَا يَلْزَمُ) الْغُسْلُ (غَيْرَ بَالِغٍ إلَّا إنْ أَرَادَ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَى غُسْلٍ وَوُضُوءٍ) كَصَلَاةٍ وَطَوَافٍ وَمَسِّ مُصْحَفٍ. (أَوْ غُسْلٍ فَقَطْ) كَقِرَاءَةِ قُرْآنٍ، وَ(لَا) يَلْزَمُهُ الْغُسْلُ (لِلُبْثٍ بِمَسْجِدٍ) إذَا أَرَادَهُ، بَلْ يَكْفِيهِ الْوُضُوءُ كَالْمُكَلَّفِ وَمِثْلُ مَسْأَلَةِ الْغُسْلِ: إلْزَامُهُ بِاسْتِجْمَارٍ وَنَحْوِهِ، ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. وَلَيْسَ مَعْنَى وُجُوبِ الْغُسْلِ أَوْ الْوُضُوءِ فِي حَقِّ الصَّغِيرِ التَّأْثِيمَ بِتَرْكِهِ، بَلْ مَعْنَاهُ أَنَّهُ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الصَّلَاةِ أَوْ الطَّوَافِ، أَوْ لِإِبَاحَةِ مَسِّ الْمُصْحَفِ، أَوْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ. (وَاسْتِدْخَالِ ذَكَرِ أَحَدٍ مِنْ ذَكَرِ) نَائِمٍ وَنَحْوِ مَجْنُونٍ وَغَيْرِ بَالِغٍ وَمَيِّتٍ وَبَهِيمَةٍ (كَإِتْيَانِهِ)، فَيَجِبُ عَلَى امْرَأَةٍ اسْتَدْخَلَتْ ذَكَرَ نَائِمٍ أَوْ صَغِيرٍ وَلَوْ طِفْلًا- أَوْ مَجْنُونٍ أَوْ مَيِّتٍ وَنَحْوِهِمْ الْغُسْلُ، لِعُمُومِ قَوْلِهِ: «إذَا الْتَقَى الْخِتَانَانِ وَجَبَ الْغُسْلُ»، (وَلَا غُسْلَ بِتَغْيِيبِ بَعْضِ حَشَفَةٍ) بِلَا إنْزَالٍ (أَوْ) أَيْ: وَلَا بِإِيلَاجِ (حَشَفَةِ خُنْثَى) فِي فَرْجٍ أَصْلِيٍّ (وَلَا بِتَغْيِيبِ) ذَكَرٍ أَصْلِيٍّ (فِي فَرْجِهِ)- أَيْ: الْخُنْثَى- (إلَّا إنْ غَيَّبَ) الْخُنْثَى ذَكَرَهُ فِي فَرْجٍ أَصْلِيٍّ. (وَغُيِّبَ): بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ، أَيْ: غُيِّبَ ذَكَرٌ (فِيهِ)- أَيْ: فِي فَرْجِ الْخُنْثَى- فَعَلَى الْخُنْثَى الْغُسْلُ، لِأَنَّهُ إنْ كَانَ ذَكَرًا فَقَدْ غَيَّبَ ذَكَرَهُ فِي فَرْجٍ أَصْلِيٍّ، وَإِنْ كَانَ أُنْثَى فَقَدْ جُومِعَتْ فِي قُبُلِهَا. (وَامْرَأَةٍ وَطِئَهَا) خُنْثَى بِذَكَرِهِ، (وَرَجُلٍ وَطِئَهُ)- أَيْ: وَطِئَ الرَّجُلُ ذَلِكَ الْخُنْثَى فِي قُبُلِهِ فَعَلَى الْخُنْثَى الْغُسْلُ، لِأَنَّهُ إنْ كَانَ ذَكَرًا فَقَدْ غَيَّبَ ذَكَرَهُ فِي فَرْجِ أُنْثَى، وَإِنْ كَانَ أُنْثَى فَقَدْ جُومِعَتْ فِي قُبُلِهَا الْأَصْلِيِّ، وَأَمَّا الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ: فَيَجِبُ (عَلَى أَحَدِهِمَا الْغُسْلُ لَا بِعَيْنِهِ)، لِأَنَّ الْخُنْثَى لَا يَخْلُو عَنْ أَنْ يَكُونَ رَجُلًا فَيَجِبُ الْغُسْلُ عَلَى الْمَرْأَةِ، أَوْ يَكُونَ أُنْثَى فَيَجِبُ الْغُسْلُ عَلَى الرَّجُلِ، وَالِاحْتِيَاطُ أَنْ يَتَطَهَّرَا عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَأْتَمَّ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ، أَوْ يُصَافّهُ وَحْدَهُ اغْتَسَلَا عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَإِنَّمَا أَخْرَجْتُ كَلَامَ الْمَتْنِ عَنْ ظَاهِرِهِ لِقُصُورِهِ. (تَتِمَّةٌ): لَوْ أَوْلَجَ خُنْثَى مُشْكِلٌ أَوْ وَاضِحُ الْأُنُوثِيَّةِ ذَكَرَهُ فِي قُبُلٍ أَوْ دُبُرٍ، وَلَمْ يُنْزِلْ: فَلَا غُسْلَ عَلَيْهِ لِعَدَمِ تَغْيِيبِ الْحَشَفَةِ الْأَصْلِيَّةِ بِيَقِينٍ، وَكَذَا لَوْ وَطِئَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْخُنْثَيَيْنِ الْمُشْكِلَيْنِ الْآخَرَ بِذَكَرِهِ فِي الْقُبُلِ أَوْ الدُّبُرِ، لِاحْتِمَالِ زِيَادَةِ الذَّكَرَيْنِ، أَوْ زِيَادَةِ أَحَدِهِمَا، بِخِلَافِ مَا لَوْ تَوَاطَأَ رَجُلٌ وَخُنْثَى فِي دُبُرَيْهِمَا، فَعَلَيْهِمَا الْغُسْلُ؛ لِأَنَّ دُبُرَ الْخُنْثَى أَصْلِيٌّ قَطْعًا، وَقَدْ وُجِدَ تَغْيِيبُ حَشَفَةِ الرَّجُلِ فِيهِ. (وَلَا) يَجِبُ غُسْلٌ عَلَى امْرَأَةٍ (بِتَغْيِيبِ) ذَكَرٍ (مَقْطُوعٍ فِي فَرْجِهَا وَلَا بِإِيلَاجِ) ذَكَرٍ أَصْلِيٍّ (بِحَائِلٍ)، لِعَدَمِ الْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ، (أَوْ)، أَيْ: وَلَا غُسْلَ بِوَطْءٍ (دُونَ فَرْجٍ) بِلَا إنْزَالٍ وَلَا انْتِقَالٍ وَلَا بِتَمَاسِّ الْخِتَانَيْنِ مِنْ غَيْرِ إيلَاجٍ لِمَا سَبَقَ، (وَلَا) غُسْلَ (بِسِحَاقٍ)، وَهُوَ: إتْيَانُ الْمَرْأَةِ الْمَرْأَةَ بِلَا إنْزَالٍ، لِمَا تَقَدَّمَ. (وَيُعَادُ غُسْلُ مَيِّتَةٍ وُطِئَتْ) وُجُوبًا (دُونَ مَيِّتٍ اسْتَدْخَلَتْ ذَكَرَهُ فِي فَرْجِهَا)، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، لِأَنَّ الْعِبْرَةَ بِوُجُودِ الْإِيلَاجِ مِنْ حَيٍّ، بِخِلَافِ الْمَوْلُوجِ فِيهِ فَتَجِبُ إعَادَةُ غُسْلِهِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى. (وَفِي الْمُبْدِعِ ): (لَوْ غَيَّبَتْ امْرَأَةٌ) فِي فَرْجِهَا (حَشَفَةَ بَهِيمَةٍ اغْتَسَلَتْ) وُجُوبًا، لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ اسْتِدْخَالَ ذَكَرِ أَحَدٍ مِمَّنْ ذُكِرَ كَإِتْيَانِهِ. (وَلَوْ قَالَتْ) امْرَأَةٌ: (لِي جِنِّيٌّ يُجَامِعُنِي)، كَالرَّجُلِ: (فَعَلَيْهَا الْغُسْلُ) قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي قَوْله تَعَالَى {لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ}: دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْجِنِّيَّ يَغْشَى الْمَرْأَةَ كَالْإِنْسِيِّ. (وَقِيلَ) أَيْ: قَالَ فِي الْمُبْدِعِ: (لَا) غُسْلَ عَلَيْهَا، (لِعَدَمِ إيلَاجٍ وَاحْتِلَامٍ) وَإِنَّمَا هُوَ غَشَيَانٌ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ الْإِيلَاجُ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ إيلَاجُهُ عَنْ مُلَامَسَةٍ بِبَدَنِهِ، (ذَكَرَهُ أَبُو الْمَعَالِي وَفِيهِ) نَظَرٌ، لِأَنَّهَا إذَا كَانَتْ تَعْرِفُ أَنَّهُ يُجَامِعُهَا كَالرَّجُلِ، فَكَيْف يُجَامِعُهَا وَلَا إيلَاجَ، خُصُوصًا إذَا تَصَوَّرَ بِصُورَةِ الرَّجُلِ، فَلَا رَيْبَ فِي وُجُوبِ الْغُسْلِ عَلَيْهَا، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ رَجُلٌ: لِي جِنِّيَّةٌ أُجَامِعُهَا كَالْمَرْأَةِ فَعَلَيْهِ الْغُسْلُ. (وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ) أَنَّهُ (يَثْبُتُ بِتَغْيِيبِ الْحَشَفَةِ كَالْكُلِّ)، أَيْ: كَمَا يَثْبُتُ بِتَغْيِيبِ كُلِّ الذَّكَرِ (أَرْبَعُمِائَةِ حُكْمٍ إلَّا ثَمَانِيَةَ) أَحْكَامٍ، ذَكَرَهَا ابْنُ الْقَيِّمِ فِي تُحْفَةِ الْوَدُودِ فِي أَحْكَامِ الْمَوْلُودِ (مِنْ) ذَلِكَ (نَحْوُ تَحْرِيمِ طَوَافٍ) كَمَسِّ مُصْحَفٍ (وَصَلَاةٍ، وَإِفْسَادُ نَحْوِ طَهَارَةٍ وَحَجٍّ) وَوُجُوبُ الْفِدْيَةِ فِيهِ، وَفَسَادُ عُمْرَةٍ، وَوُجُوبُ الْبَدَنَةِ فِيهَا وَقَضَاؤُهُمَا (وَوُجُوبُ نَحْوِ غُسْلٍ وَحَدٍّ وَكَفَّارَةٍ، وَحُصُولُ نَحْوِ رَجْعَةٍ، وَبِرٍّ) مِنْ حَلِفٍ أَنْ يَطَأَ (وَمُصَاهَرَةٌ، وَزَوَالُ: نَحْوِ عُنَّةٍ)، وَوُجُوبُ عِدَّةٍ، وَاسْتِقْرَارُ مُسَمًّى، وَوُجُوبُ مَهْرِ مِثْلٍ، وَثُبُوتُ إحْصَانٍ، وَجَرَيَانُ لِعَانٍ، وَفِدْيَةُ مُولٍ، وَتَحْلِيلٌ لِزَوْجٍ أَوَّلٍ، وَسُقُوطُ إجْبَارٍ فِي نِكَاحِ بِكْرٍ، وَتَحْرِيمُ رَبَائِبَ، وَتَحْرِيمُ إمَاءِ الْأَبِ عَلَى الِابْنِ، وَتَحْرِيمُ إمَاءِ الِابْنِ عَلَى الْأَبِ، وَتَحْرِيمُ الْجَمْعِ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا وَخَالَتِهَا وَبِنْتِ أَخِيهَا وَبِنْتِ أُخْتِهَا، وَتَحْرِيمُ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأَمَةِ وَخَالَتِهَا أَوْ أُخْتِهَا فِي الْوَطْءِ بِمِلْكِ يَمِينٍ، وَفَسَادُ صَوْمٍ وَاعْتِكَافٍ، وَصَيْرُورَةُ الْأَمَةِ فِرَاشًا، وَإِلْحَاقُ وَلَدٍ بِسَيِّدٍ إذَا أَقَرَّ بِهِ، وَسُقُوطُ وِلَايَةِ أَبٍ فِي ابْنَتِهِ الصَّغِيرَةِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ حَتَّى تَبْلُغَ، وَوُجُوبُ كَفَّارَةٍ بِوَطْءِ حَائِضٍ، وَتَحْرِيمُ التَّصْرِيحِ بِخِطْبَةِ مَنْ طَلُقَتْ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَمَنْ تَتَبَّعَ مَا يَأْتِي يَظْفَرُ بِأَكْثَرِهَا. (الرَّابِعُ: إسْلَامُ كَافِرٍ وَلَوْ مُرْتَدًّا) أَوْ مُمَيِّزًا، لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ «أَنَّ ثُمَامَةَ بْنَ أَثَالٍ أَسْلَمَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اذْهَبُوا بِهِ إلَى حَائِطِ بَنِي فُلَانٍ، فَمُرُوهُ أَنْ يَغْتَسِلَ» رَوَاه أَحْمَدُ وَابْنُ خُزَيْمَةَ مِنْ رِوَايَةِ الْعُمَرِيِّ، وَقَدْ تُكُلِّمَ فِيهِ، وَرَوَى لَهُ مُسْلِمٌ مَقْرُونًا، «وَعَنْ قَيْسِ بْنِ عَاصِمٍ أَنَّهُ أَسْلَمَ، فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَغْتَسِلَ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ» رَوَاه أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالُوا: حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَلِأَنَّهُ لَا يَسْلَمُ غَالِبًا مِنْ جَنَابَةٍ، فَأُقِيمَتْ الْمَظِنَّةُ مَقَامَ الْحَقِيقَةِ، كَالنَّوْمِ وَالْتِقَاءِ الْخِتَانِ، وَلِأَنَّ الْمُرْتَدَّ مُسَاوٍ لَلْأَصْلِيِّ فِي الْمَعْنَى، وَهُوَ الْإِسْلَامُ، فَوَجَبَ مُسَاوَاتُهُ لَهُ فِي الْحُكْمِ. (أَوْ) كَانَ الْكَافِرُ (لَمْ يُوجَدْ) مِنْهُ (فِي كُفْرِهِ مَا يُوجِبُهُ)- أَيْ: الْغُسْلَ- مِنْ نَحْوِ جِمَاعٍ أَوْ إنْزَالٍ، (أَوْ) كَانَ (مُمَيِّزًا) وَأَسْلَمَ، لِأَنَّ الْإِسْلَامَ مُوجِبٌ؛ فَاسْتَوَى فِيهِ الْكَبِيرُ وَالصَّغِيرُ، كَالْحَدَثِ الْأَصْغَرِ. (غَيْرَ حَائِضٍ وَنُفَسَاءَ كِتَابِيَّتَيْنِ إذَا اغْتَسَلَتَا لِحِلِّ وَطْءِ زَوْجٍ مُسْلِمٍ، أَوْ سَيِّدٍ مُسْلِمٍ ثُمَّ أَسْلَمَتَا): فَلَا يَلْزَمُهُمَا إعَادَةُ الْغُسْلِ عَلَى قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ لِصِحَّتِهِ مِنْهُمَا، وَعَدَمُ اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ فِيهِ لِلْعُذْرِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ اغْتَسَلَ الْكَافِرُ لِجَنَابَةٍ، ثُمَّ أَسْلَمَ، وَجَبَ عَلَيْهِ إعَادَتُهُ لِعَدَمِ صِحَّتِهِ مِنْهُ، (كَذَا قِيلَ) وَالْمَذْهَبُ: وُجُوبُ إعَادَةِ الْغُسْلِ عَلَيْهِمَا. (وَيَتَّجِهُ) أَنَّ الْحُكْمَ (فِي مُمَيِّزٍ) وَطِئَ ثُمَّ أَسْلَمَ إذَا كَانَ فِي سِنٍّ (يَطَأُ وَيُوطَأُ مِثْلُهُ)، وَهُوَ ابْنُ عَشْرٍ وَبِنْتُ تِسْعٍ إذَا أَرَادَ فِعْلَ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَى طَهَارَةٍ وَجَبَ عَلَيْهِ الْغُسْلُ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ إذَا كَانَ سِنُّهُ دُونَ ذَلِكَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْغُسْلُ وَفِيهِ بَحْثٌ، إذْ عِبَارَاتُهُمْ وُجُوبُ الْغُسْلِ عَلَيْهِ مُطْلَقًا، وَتَقَدَّمَ. (وَوَقْتُ لُزُومِ غُسْلٍ كَمَا مَرَّ) أَيْ: إذَا أَرَادَ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَى غُسْلٍ أَوْ وُضُوءٍ لِغَيْرِ لُبْثٍ بِمَسْجِدٍ، أَوْ مَاتَ شَهِيدًا، أَمَّا إذَا أَرَادَ اللُّبْثَ فِي الْمَسْجِدِ: فَعَلَيْهِ الْوُضُوءُ فَقَطْ. (وَيَحْرُمُ تَأْخِيرُ إسْلَامٍ لِغُسْلٍ أَوْ غَيْرِهِ)، لِوُجُوبِهِ عَلَى الْفَوْرِ.، (وَلَوْ اسْتَشَارَ) كَافِرٌ (مُسْلِمًا) فِي الْإِسْلَامِ، (فَأَشَارَ بِعَدَمِ إسْلَامِهِ) حَرُمَ عَلَيْهِ ذَلِكَ (وَلَمْ يُكَفَّرْ) لِأَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْهُ بِالدُّخُولِ فِي الْكُفْرِ، وَإِنَّمَا أَشَارَ عَلَيْهِ بِاسْتِدَامَتِهِ عَلَيْهِ (وَكَذَا لَوْ أَخَّرَ عَرْضَ الْإِسْلَامِ عَلَيْهِ بِلَا عُذْرٍ) حَرُمَ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَلَمْ يُكَفَّرْ، خِلَافًا لِصَاحِبِ التَّتِمَّةِ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ. (الْخَامِسُ: خُرُوجُ دَمِ حَيْضٍ) «لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِفَاطِمَةَ بِنْتِ أَبِي حُبَيْشٍ: وَإِذَا ذَهَبْت فَاغْتَسِلِي وَصَلِّي» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَأَمَرَ بِهِ أُمَّ حَبِيبَةَ، وَسَهْلَةَ بِنْتَ سُهَيْلٍ، وَحَمْنَةَ وَغَيْرَهُنَّ، يُؤَيِّدُهُ قَوْله تَعَالَى {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ} أَيْ: إذَا اغْتَسَلْنَ. فَمَنَعَ الزَّوْجَ مِنْ وَطْئِهَا قَبْلَ غُسْلِهَا، فَدَلَّ عَلَى وُجُوبِهِ عَلَيْهَا، وَإِنَّمَا وَجَبَ بِالْخُرُوجِ إنَاطَةً لِلْحُكْمِ بِسَبَبِهِ، وَالِانْقِطَاعُ شَرْطٌ لِصِحَّتِهِ. (وَيَصِحُّ نَدْبًا غُسْلٌ مِنْ جَنَابَةٍ زَمَنَ حَيْضٍ) تَخْفِيفًا لِلْحَدَثِ (وَيَزُولُ حُكْمُهَا)- أَيْ: الْجَنَابَةِ- لِأَنَّ بَقَاءَ أَحَدِ الْحَدَثَيْنِ لَا يَمْنَعُ ارْتِفَاعَ الْآخَرِ، كَمَا لَوْ اغْتَسَلَ الْمُحْدِثُ بِنِيَّةِ رَفْعِ الْحَدَثِ الْأَكْبَرِ، فَإِنَّ الْحَدَثَ الْأَصْغَرَ بَاقٍ، وَبَقَاؤُهُ لَا يَمْنَعُ ارْتِفَاعَ الْأَكْبَرِ، أَفَادَهُ فِي الشَّرْحِ. (السَّادِسُ: خُرُوجُ دَمِ نِفَاسٍ) وَانْقِطَاعُهُ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الْغُسْلِ لَهُ قَالَ فِي الْمُغْنِي: لَا خِلَافَ فِي وُجُوبِ الْغُسْلِ بِهِمَا، (فَلَا غُسْلَ بِوِلَادَةٍ بِلَا دَمٍ)، لِأَنَّهُ لَا نَصَّ فِيهِ وَلَا هُوَ فِي مَعْنَى الْمَنْصُوصِ، (فَيَصِحُّ صَوْمُ) مَنْ وَلَدَتْ بِلَا دَمٍ، (وَيَحِلُّ وَطْؤُهَا) قَبْلَ أَنْ تَغْتَسِلَ، لِمَا تَقَدَّمَ. (وَلَا) يَجِبُ الْغُسْلُ (بِإِلْقَاءِ عَلَقَةٍ)- قَالَ فِي الْمُبْدِعِ: بِلَا نِزَاعٍ- (أَوْ) بِإِلْقَاءِ (مُضْغَةٍ بِلَا تَخْطِيطٍ)، لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ وِلَادَةً، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ حُكْمُهُ بِإِلْقَاءِ مَا يَتَبَيَّنُ فِيهِ خَلْقُ إنْسَانٍ، وَلَوْ خَفِيًّا. (وَالْوَلَدُ طَاهِرٌ، وَمَعَ دَمٍ يُغْسَلُ) وُجُوبًا كَسَائِرِ الْأَشْيَاءِ الْمُتَنَجِّسَةِ. (السَّابِعُ: الْمَوْتُ) «لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اغْسِلْنَهَا» وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَحَادِيثِ، (تَعَبُّدًا) لَا عَنْ حَدَثٍ، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ عَنْهُ لَمْ يَرْتَفِعْ مَعَ بَقَاءِ سَبَبِهِ، وَلَا عَنْ نَجَسٍ، وَإِلَّا لَمَا طَهُرَ مَعَ بَقَاءِ سَبَبِهِ (غَيْرَ شَهِيدِ مَعْرَكَةٍ وَمَقْتُولٍ ظُلْمًا)، فَلَا يُغْسَلَانِ، وَيَأْتِي فِي مَحِلِّهِ. (وَيَتَّجِهُ زِيَادَةُ) مُوجِبٍ ثَامِنٍ (وَهُوَ)- أَيْ: الْمُوجِبُ لِإِعَادَةِ الْغُسْلِ: (خُرُوجُ نَجَاسَةٍ بَعْدَ غُسْلِ مَيِّتٍ قَبْلَ سَبْعٍ وَ) قَبْلَ (وَضْعٍ بِكَفَنٍ) وَيَأْتِي فِي كِتَابِ الْجَنَائِزِ وَهُوَ مُتَّجِهٌ.

.(فَصْلٌ): [ما يَحْرُمُ على الْجُنُبِ]:

(يَحْرُمُ عَلَى مَنْ عَلَيْهِ غُسْلٌ) مِنْ جَنَابَةٍ أَوْ غَيْرِهَا (قِرَاءَةُ آيَةٍ) فَأَكْثَرَ، لِحَدِيثِ عَلِيٍّ «كَان النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَحْجُبُهُ- وَرُبَّمَا قَالَ: لَا يَحْجِزُهُ- عَنْ الْقُرْآنِ شَيْءٌ لَيْسَ الْجَنَابَةَ» رَوَاه ابْنُ خُزَيْمَةَ وَالْحَاكِمُ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَصَحَّحَاهُ. (وَلَوْ بِقَصْدِ ذِكْرٍ) سَدًّا لِلْبَابِ، وَ(لَا) يَحْرُمُ عَلَى مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ غُسْلٌ مِنْ قِرَاءَةِ (بَعْضِهَا)- أَيْ: بَعْضِ آيَةٍ- لِأَنَّهُ لَا إعْجَازَ فِيهِ، (وَلَوْ كَرَّرَ) قِرَاءَةَ الْبَعْضِ (مَا لَمْ يَتَحَيَّلْ) نَحْوُ الْجُنُبِ (عَلَى قِرَاءَةٍ) تَحْرُمُ، بِأَنْ يُكَرِّرَ الْإِبْعَاضَ تَحَيُّلًا عَلَى قِرَاءَةِ آيَةٍ فَأَكْثَرَ، فَيَمْتَنِعُ عَلَيْهِ ذَلِكَ كَسَائِرِ الْحِيَلِ الْمُحَرَّمَةِ.
قَالَ الْمُنَقِّحُ: (مَا لَمْ تَكُنْ الْآيَةُ طَوِيلَةً)، كَآيَةِ الدَّيْنِ، فَيَمْتَنِعُ عَلَيْهِ قِرَاءَةُ بَعْضِهَا. (وَيَتَّجِهُ الْمُرَادُ: مَنْعُ) نَحْوِ الْجُنُبِ مِنْ قِرَاءَةِ (بَعْضٍ) مِنْ قُرْآنٍ (كَثِيرٍ عُرْفًا)، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَلَهُ)- أَيْ: لِمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ غُسْلُ- (تَهَجِّيهِ)- أَيْ: الْقُرْآنِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِقِرَاءَةٍ لَهُ، فَتَبْطُلُ بِهِ الصَّلَاةُ لِخُرُوجِهِ عَنْ نَظْمِهِ وَإِعْجَازِهِ، ذَكَرَهُ فِي الْفُصُولِ وَلَهُ التَّفْكِيرُ فِيهِ، (وَتَحْرِيكُ شَفَتَيْهِ بِهِ إنْ لَمْ تَبِنْ حُرُوفٌ)، وَقِرَاءَةُ أَبْعَاضِ آيَةٍ مُتَوَالِيَةٍ أَوْ آيَاتٍ سَكَتَ بَيْنَهَا سُكُوتًا طَوِيلًا قَالَهُ فِي الْمُبْدِعِ. (كَقِرَاءَةٍ لَا تُجْزِئُ فِي صَلَاةٍ لِإِسْرَارِهَا)، نَقَلَهُ فِي الْفُرُوعِ عَنْ ظَاهِرِ نِهَايَةِ الْأَزَجِيِّ قَالَ: وَقَالَ غَيْرُهُ: لَهُ تَحْرِيكُ شَفَتَيْهِ بِهِ إذَا لَمْ يُبَيِّنْ الْحُرُوفَ. (وَلَهُ) تِلَاوَةُ (ذِكْرٍ) لَمْ يُوَافِقْ قُرْآنًا، لِمَا رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «كَان رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَذْكُرُ اللَّهَ عَلَى كُلِّ أَحْيَانِهِ» وَيَأْتِي أَنَّهُ يُكْرَهُ أَذَانُ جُنُبٍ.
(وَ) لَهُ (إزَالَةُ شَعْرٍ وَظُفْرٍ) بِلَا كَرَاهَةٍ.
(وَ) لَهُ (قَوْلُ مَا وَافَقَ قُرْآنًا) مِنْ الْأَذْكَارِ، (وَلَمْ يَقْصِدْهُ)- أَيْ: الْقُرْآنَ- كَالْبَسْمَلَةِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، (وَكَآيَةِ رُكُوبٍ) {سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ وَإِنَّا إلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ} وَمِثْلُهَا آيَةُ نُزُولٍ {رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلًا مُبَارَكًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ} (وَ) كَآيَةِ (اسْتِرْجَاعٍ) {إنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ} وَهِيَ بَعْضُ آيَةٍ، لَا آيَةٌ.
(وَ) قِرَاءَةُ (آيَةٍ فِي ضِمْنِ نَحْوِ شِعْرٍ) كَقَوْلِهِ: خَاضَ الْعَوَاذِلُ فِي حَدِيثِ مَدَامِعِي لَمَّا رَأَوْا كَالسَّيْلِ سُرْعَةَ سَيْرِهِ فَحَبَسْتُهُ لِأَصُونَ سِرَّ هَوَاكُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ. وَكَذَا لَهُ النَّظَرُ فِي الْمُصْحَفِ، وَأَنْ يُقْرَأَ عَلَيْهِ وَهُوَ سَاكِتٌ، لِأَنَّهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَا يُنْسَبُ إلَى قِرَاءَةٍ، قَالَهُ أَبُو الْمَعَالِي (وَيُمْنَعُ كَافِرٌ مِنْ قِرَاءَتِهِ وَلَوْ رُجِيَ إسْلَامُهُ) قِيَاسًا عَلَى الْجُنُبِ وَأَوْلَى. (وَلِجُنُبٍ) وَكَافِرٍ أَسْلَمَ (وَحَائِضٌ وَنُفَسَاءَ انْقَطَعَ دَمُهُمَا أَوْ لَا، مَعَ أَمْنِ تَلْوِيثٍ، دُخُولُ مَسْجِدٍ لِمُرُورٍ وَلَوْ بِلَا حَاجَةٍ)، لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَا جُنُبًا إلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ}، وَهُوَ: الطَّرِيقُ. وَعَنْ جَابِرٍ «كَانَ أَحَدُنَا يَمُرُّ فِي الْمَسْجِدِ جُنُبًا مُجْتَازًا» رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ. وَسَوَاءٌ كَانَ لِحَاجَةٍ أَوْ لَا، وَمِنْ الْحَاجَةِ كَوْنُهُ طَرِيقًا قَصِيرًا.
وَ(لَا) يَجُوزُ لِجُنُبٍ وَحَائِضٍ وَنُفَسَاءَ (لُبْثٌ بِهِ)- أَيْ: الْمَسْجِدِ (مَعَ قَطْعِهِ)- أَيْ: الدَّمِ- (بِلَا عُذْرٍ)، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَا أُحِلُّ الْمَسْجِدَ لِحَائِضٍ وَلَا لِجُنُبٍ» رَوَاه أَبُو دَاوُد. (إلَّا بِوُضُوءٍ)، فَإِنْ تَوَضَّئُوا؛ جَازَ لَهُمْ اللُّبْثُ فِيهِ وَلَوْ انْتَقَضَ بَعْدُ، لِمَا رَوَى سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَالْأَثْرَمُ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ: «رَأَيْتُ رِجَالًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْلِسُونَ فِي الْمَسْجِدِ وَهُمْ مُجْنِبُونَ، إذَا تَوَضَّئُوا وُضُوءَ الصَّلَاةِ». إسْنَادُهُ صَحِيحٌ. قَالَهُ فِي الْمُبْدِعِ: وَلِأَنَّ الْوُضُوءَ يُخَفِّفُ الْحَدَثَ، فَيَزُولُ بَعْضُ مَا مَنَعَهُ.
قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَحِينَئِذٍ فَيَجُوزُ أَنْ يَنَامَ فِي الْمَسْجِدِ حَيْثُ يَنَامُ غَيْرُهُ. (فَإِنْ تَعَذَّرَ) الْوُضُوءُ عَلَى الْجُنُبِ وَنَحْوِهِ، (وَاحْتِيجَ لِلُّبْثِ) فِي الْمَسْجِدِ ابْتِدَاءً وَدَوَامًا لِحَبْسٍ أَوْ خَوْفٍ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مَالٍ وَنَحْوِهِ: (جَازَ) لَهُ اللُّبْثُ (بِلَا تَيَمُّمٍ) نَصًّا، وَاحْتُجَّ بِأَنَّ وَفْدَ عَبْدِ الْقَيْسِ قَدِمُوا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَنْزَلَهُمْ الْمَسْجِدَ (وَ) لُبْثُهُ (بِهِ)- أَيْ: التَّيَمُّمِ- (أَوْلَى)، خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ ابْنِ قُنْدُسٍ. (وَيَتَيَمَّمُ) جُنُبٌ وَنَحْوُهُ (لِلُّبْثِ لِغُسْلٍ فِيهِ)- أَيْ: الْمَسْجِدِ- إذَا تَعَذَّرَ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ وَالْغُسْلُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ قَالَهُ فِي الْإِنْصَافِ وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ شِهَابٍ وَغَيْرُهُ قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْتَهَى: وَالظَّاهِرُ تَقْيِيدُهُ بِعَدَمِ الِاحْتِيَاجِ- أَيْ: إلَى اللُّبْثِ فِي الْمَسْجِدِ- لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُ إذَا احْتَاجَ لِلُّبْثِ فِيهِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ بِلَا تَيَمُّمٍ (وَلِذِي سَلَسٍ وَمُسْتَحَاضَةٍ لُبْثٌ بِهِ مَعَ أَمْنِ تَلْوِيثٍ) لِحَدِيثِ عَائِشَةَ «أَنَّ امْرَأَةً مِنْ أَزْوَاجِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اعْتَكَفَتْ مَعَهُ وَهِيَ مُسْتَحَاضَةٌ، فَكَانَتْ تَرَى الْحُمْرَةَ وَالصُّفْرَةَ، وَرُبَّمَا وَضَعَتْ الطَّسْتَ تَحْتَهَا وَهِيَ تُصَلِّي» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. (وَإِلَّا) يَأْمَنْ ذُو السَّلَسِ وَالْمُسْتَحَاضَةُ تَلْوِيثَهُ (حَرُمَ) عَلَيْهِمَا اللُّبْثُ فِي الْمَسْجِدِ، لِتَقْذِيرِهِ. (وَلَا يُكْرَهُ غُسْلٌ) فِي الْمَسْجِدِ (وَ) لَا (وُضُوءٌ بِهِ مَا لَمْ يُؤْذِ بِهِمَا)، أَيْ: بِمَاءِ الْغُسْلِ وَالْوُضُوءِ (وَيَتَّجِهُ وَإِلَّا)- بِأَنْ آذَى الْمَسْجِدَ بِهِمَا- (حَرُمَ كَاسْتِنْجَاءٍ) بِهِ، إذْ الْمَسْجِدُ يَجِبُ احْتِرَامُهُ وَصَوْنُهُ عَنْ كُلِّ مَا يُؤْذِيهِ، وَهُوَ اتِّجَاهٌ جَيِّدٌ. (وَيَتَّجِهُ) أَيْضًا أَنَّ الْحُكْمَ (فِي فَسَاقٌ وُضِعَتْ)- أَيْ: بُنِيَتْ- (مَعَ مَسْجِدٍ) إمَّا بِوَضْعِ الْوَاقِفِ لَهَا، أَوْ كَانَتْ مَوْجُودَةً قَبْلَ بِنَاءِ الْمَسْجِدِ، (لَيْسَتْ بِمَسْجِدٍ)، فَيَجُوزُ الْبَوْلُ بِإِنَاءٍ فِي غُرْفَةٍ فَوْقَهَا، لَا فِي بَالُوعَتِهَا، لِجَرَيَانِهَا فِي قَرَارِ الْمَسْجِدِ، وَيَجُوزُ لُبْثُ نَحْوِ جُنُبٍ فِيهَا بِلَا وُضُوءٍ، وَلَا يَصِحُّ الِاعْتِكَافُ فَوْقَهَا وَلَا فِي هَوَائِهَا لِأَنَّهَا لَمْ تُبْنَ لِلصَّلَاةِ، (بِخِلَافِ حَادِثَةٍ) بَعْدَ بِنَائِهِ فِيهِ، فَيَجِبُ احْتِرَامُ بُقْعَتِهَا كَاحْتِرَامِ الْمَسْجِدِ، لِأَنَّهَا مِنْهُ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَتُكْرَهُ إرَاقَةُ مَائِهِمَا) أَيْ: الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ بِمَسْجِدٍ، (وَ) كَذَا إرَاقَةُ (مَاءٍ غُمِسَتْ فِيهِ يَدُ قَائِمٍ مِنْ نَوْمِ لَيْلٍ بِمَسْجِدٍ) صَوْنًا لَهُ عَمَّا يُقَذِّرُهُ.
(وَ) كَذَلِكَ تُكْرَهُ إرَاقَةُ مَائِهِمَا (بِمَا) أَيْ: مَحَلٍّ (يُدَاسُ كَطَرِيقٍ) تَنْزِيهًا لِلْمَاءِ (وَيَتَّجِهُ): كَرَاهَةُ إرَاقَةِ مَائِهِمَا بِمَا ذُكِرَ، (وَبِكُلِّ مَحَلٍّ قَذِرٍ) كَمَزْبَلَةِ وَحْشٍ وَنَحْوِهِ، لِأَنَّهُ مَاءٌ اُسْتُعْمِلَ فِي عِبَادَةٍ، فَيُصَانُ عَنْ الْقَاذُورَاتِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
(وَقَالَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ: (يَجُوزُ عَمَلٌ)- أَيْ: اتِّخَاذُ- (مَكَانٍ) وَلَوْ كَانَ الْمُتَّخِذُ غَيْرَ الْوَاقِفِ (فِيهِ)- أَيْ: الْمَسْجِدِ- (لِلْوُضُوءِ) فِيهِ (لِمَصْلَحَةٍ) تَرْغِيبًا لِلْمُصَلِّينَ، وَتَكْثِيرًا لِلْجَمَاعَةِ (بِلَا مَحْذُورٍ)، فَإِنْ كَانَ فِي اتِّخَاذِهِ مَحْذُورٌ، كَتَقْذِيرِ الْمَسْجِدِ أَوْ شَغْلِ مَوْضِعٍ يُصَلَّى فِيهِ مُنِعَ مِنْهُ، لِمَا تَقَدَّمَ. (وَلَا يُغَسَّلُ فِيهِ)- أَيْ: الْمَسْجِدِ- (مَيِّتٌ) لَتَقَذُّرِهِ. (وَمُصَلَّى عِيدٍ لَا) مُصَلَّى (جَنَائِزِ مَسْجِدٍ)، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «وَلْيَعْتَزِلْنَ الْحُيَّضُ الْمُصَلَّى» وَأَمَّا صَلَاةُ الْجَنَائِزِ فَلَيْسَتْ ذَاتَ رُكُوعٍ وَلَا سُجُودٍ بِخِلَافِ الْعِيدِ (وَيَتَّجِهُ) مَحَلُّ اعْتِبَارِ مُصَلَّى الْعِيدِ مَسْجِدًا (إنْ وُقِفَ) لِذَلِكَ، (وَلَوْ) كَانَ وَقْفُهُ (بِقَرَائِنَ) كَأَنْ يَأْذَنَ مَالِكُهُ لِلنَّاسِ إذْنًا عَامًّا بِالصَّلَاةِ فِيهِ، وَيَتَكَرَّرُ مِنْهُ ذَلِكَ، وَلَا يَشْغَلُهُ بِشَيْءٍ، وَيُجَنِّبُهُ مَا يُقَذِّرُهُ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. وَحِينَئِذٍ (فَلَا يَجُوزُ لِنَحْوِ جُنُبٍ) كَحَائِضٍ وَنُفَسَاءَ انْقَطَعَ دَمُهُمَا (لُبْثٌ بِهِ) بِلَا عُذْرٍ أَوْ وُضُوءٍ. (وَيَتَّجِهُ صِحَّةُ اعْتِكَافٍ فِيهِ)- أَيْ مُصَلَّى الْعِيدِ- مِمَّنْ لَا تَلْزَمُهُ الْجَمَاعَةُ مُطْلَقًا، وَمِمَّنْ تَلْزَمُهُ إنْ كَانَتْ تُقَامُ فِيهِ الْجَمَاعَةُ، وَلَوْ مِنْ مُعْتَكِفِينَ، لِثُبُوتِ حُكْمِ الْمَسْجِدِيَّةِ لَهُ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَيَجِبُ مَنْعُ مَجْنُونٍ وَسَكْرَانَ مِنْ مَسْجِدٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى} وَالْمَجْنُونُ أَوْلَى مِنْهُ.
(وَ) يَجِبُ مَنْعُ (مَنْ عَلَيْهِ نَجَاسَةٌ تَتَعَدَّى)، لِئَلَّا يُلَوِّثَهُ. (وَكُرِهَ اتِّخَاذُهُ)- أَيْ الْمَسْجِدِ- (طَرِيقًا) نَصًّا، قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ.
(وَ) كُرِهَ (تَمْكِينُ صَغِيرٍ مِنْهُ)- أَيْ: الْمَسْجِدِ- قَالَ فِي الْآدَابِ وَالْمُرَادُ، صَغِيرٌ لَا يُمَيِّزُ، لِغَيْرِ فَائِدَةٍ، (وَسُنَّ مَنْعُهُ)- أَيْ: الصَّغِيرِ- مِنْ الْمَسْجِدِ صِيَانَةً لَهُ. (وَحَرُمَ تَكَسُّبٌ بِصَنْعَةٍ فِيهِ)- أَيْ: الْمَسْجِدِ- لِأَنَّهُ لَمْ يُبْنَ لِذَلِكَ، (غَيْرَ كِتَابَةٍ، لِأَنَّهَا)- أَيْ: الْكِتَابَةَ- (نَوْعٌ مِنْ) تَحْصِيلِ (الْعِلْمِ)، وَيَحْرُمُ فِيهِ الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ وَلَا يَصِحَّانِ. (وَيُبَاحُ غَلْقُ أَبْوَابِهِ)- أَيْ: الْمَسْجِدِ- (خَشْيَةَ) مَا يُكْرَهُ دُخُولُهُ إلَيْهِ، نَصَّ عَلَيْهِ.